فصل: الرابع: في أركان الصلاة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة في فروع المالكية ***


الرابع‏:‏ في أركان الصلاة

وهي عشرة‏:‏

الأول‏:‏ القيام وفي الجواهر يجب الإحرام والقراءة على وجه الاستقلال؛ لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏وقوموا لله قانتين‏)‏، فإن استند مع القدرة وكان بحيث لو أزيل المستند إليه سقط بطلت؛ لأنه في حكم التارك للقيام، وإلا لم تبطل مع الكراهة لتنقيص كمال القيام، قال صاحب الطراز‏:‏ الظاهر عندي في الأول الإجزاء؛ لأنه قيام في العادة ولو حلف لا يقوم فقام متكئا حنث، وأما قوله في الكتاب لا يعجبني فمحمول على الكراهة، فإن عجز عن الاستقلال ففرضه التوكؤ، فإن عجز انتقل إلى الجلوس مستقلا فإن عجز ففرضه الجلوس مستندا، وعلى التقديرين فيتربع، وفي الكتاب‏:‏ إن عجز عن التربع صلى على قدر وسعه قاعدا أو على جنبه أو ظهره ورجلاه إلى الكعبة ويومئ برأسه، قال صاحب الطراز‏:‏ يريد إن قدر أن يثني رجليه ثناهما، وإلا أقامهما وإلا أمدهما؛ لأنها كلها هيئات الجلوس، فلا يجوز له الإخلال بها، وكلامه في الكتاب محمول على الترتيب بين الهيئات المذكورات وهو قول ‏(‏ش‏)‏ و‏(‏ح‏)‏ ولم يقل بالتخيير أحد، ويوضحه أن الاستقبال مأمور به، وعلى الجنب يستقبل بوجهه الكعبة، وعلى الظهر إنما يستقبل السماء وكذلك، قال ابن القاسم‏:‏ إن عجز عن الجنب الأيمن فعلى الأيسر، فإن عجز فعلى الظهر، وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ إن عجز عن الأيمن فعلى الظهر، والتربع مروي عن ابن عباس وابن عمر وأنس، ولأنه أليق بالأدب وتمييز بين البدل والمبدل، وقال ‏(‏ش‏)‏ ‏(‏ح‏)‏‏:‏ يجلس مثل جلوس التشهد؛ لأنه أصل في الصلاة حالة السعة فيكون أفضل حالة الرفاهية، ولأنه من شأن الأكفاء والافتراش أولى بالعبيد، قال أبو الطاهر‏:‏ روي ذلك عن ابن عبد الحكم، واستحبه المتأخرون، وروي عن الشافعية قولان آخران‏:‏ ضم الركبتين إلى الصدر كالاحتباء، وضم ركبته اليمنى ثانيا لركبته اليسرى كالجالس أمام المعلم‏.‏

فائدة‏:‏

قال بعض العلماء‏:‏ ينتقل القائم إلى القعود بالقدر الذي لا يشوش عليه الخشوع والاذكار، ولا تشترط الضرورة ولا العجز عن إيقاع صورة القيام إجماعا، ويشترط في الانتقال من الجلوس إلى الاضطجاع عذر أشق من الأول؛ لأن الاضطجاع مناف للتعظيم أكثر من القعود، قال أبو الطاهر‏:‏ فلو قدر على القيام دون القراءة اقتصر على أم القرآن، فإن عجز عن كمال أم القرآن انتقل إلى الجلوس على مقتضى الروايات وهو ظاهر إن قلنا إنها فرض في كل ركعة، وعلى القول بأنها فرض في ركعة واحدة يكفي أن يقوم مقدار وسعه إلا في ركعة واحدة فإنه يجلس؛ ليأتي بأم القرآن، وهكذا يجري الكلام على القول بأنها فرض في الأكثر‏.‏

فروع تسعة‏:‏

الأول‏:‏ كره في الكتاب لقادح الماء من عينيه‏:‏ أن يصلي إيماء مستلقيا، قال ابن القاسم‏:‏ فإن فعل أعاد أبدا، قال ابن يونس‏:‏ روى ابن وهب عنه التسهيل في ذلك، وجوزه أشهب و‏(‏ح‏)‏، وقال ابن حبيب‏:‏ كره ذلك مالك أربعين يوما ولو كان اليوم ونحوه لم أر بذلك بأسا، ولو كان يصلي جالسا ويومئ في الأربعين لم أكرهه، ومنشأ الخلاف هل هذا الاستلقاء يحصل البرء غالبا أم لا‏؟‏ والصحيح أنه يحصل، والتجربة تشهد لذلك، وكما جاز له الانتقال من الغسل إلى المسح بسبب الفصاد، قال التونسي‏:‏ فكذلك هاهنا، قال غيره‏:‏ وكما جاز التعرض للتيمم بالأسفار بسبب الأرباح المباحة فهاهنا أولى‏.‏

الثاني‏:‏ قال في الكتاب‏:‏ إذا تشهد من اثنتين فيكبر وينوي بذلك القيام قبل أن يقرأ؛ لأنه خروج من جلوس إلى جلوس مباين له فلا يتميز إلا بالنية، قال صاحب الطراز‏:‏ والفرق بين الجلوس الأول في كونه لا يحتاج إلى نية بخلاف الثاني أن الأول أصل فتتناوله النية الأولى عند الإحرام، والثاني عارض فيحتاج إلى نية، ولما كان التكبير للثالثة يكون حالة القيام فتكون هاهنا حالة التربع وينوي بجلوسه القيام‏.‏

الثالث‏:‏ قال ابن القاسم في الكتاب‏:‏ إذا افتتح عاجزا عن القيام فقدر في أثنائها قام، أو قادرا فعجز جلس؛ لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏فاتقوا الله ما استطعتم‏)‏‏.‏

الرابع‏:‏ قال صاحب الطراز‏:‏ لو كانت داره بمقربة من المسجد فيأتيه ماشيا ويصلي فيه جالسا، قال مالك‏:‏ لا يعجبني، قال‏:‏ وهذا فيه تفصيل فقد رأينا من يطيق المشي ولا يطيق القيام فيصلي هذا جالسا، فإن كان يطيقه إلا أن الإمام يطول صلى وحده؛ لأن القيام فرض والجماعة سنة، وقاله ‏(‏ش‏)‏، قال صاحب البيان‏:‏ يلزمه أن يقف ما أطاق، فإذا ضعف جلس يفعل ذلك في كل ركعة‏.‏

الخامس‏:‏ قال‏:‏ لو خاف من القيام انقطاع العرق ودوام العلة صلى إيماء عند مطرف وعبد الملك وإن خرج الوقت، فإن خرج الوقت قبل زوال العرق لم يعد ولو لم يعرق إلا أنه يخاف معاودة علته، فكذلك عند ابن عبد الحكم‏.‏

السادس قال‏:‏ لو خاف خروج الريح إن قام، قال محمد‏:‏ يصلي جالسا، قال‏:‏ وهو مشكل؛ فإنه على هذا التقدير لا يوجب وضوءا كالسلس فكيف تترك أركان الصلاة لوسيلتها‏؟‏ ولذلك أن العريان يصلي قائما‏.‏

السابع قال‏:‏ لو قدر على القيام والسجود، وإن قام شق عليه الجلوس، وإذا جلس شق عليه القيام فإن أدركته الصلاة قائما أحرم قائما لقدرته عليه، ثم يركع إن قدر وإلا أومأ، ثم يسجد ويجلس ويتم صلاته جالسا، وإن أدركته جالسا أحرم جالسا وأتم جالسا للمشقة، وفي الجواهر الإيماء قائما بالرأس والظهر ويحسر عن جبهته في الإيماء للسجود، ولو قدر على القيام والركوع والسجود لكن لو سجد لم يقدر على النهوض، قال التونسي‏:‏ يركع ويسجد في الأولى، ثم يتم جالسا؛ لأن السجود أعظم من القيام لمزيد الإجلال والاتفاق على وجوبه، ولذلك قال عليه السلام‏:‏ أقرب ما يكون العبد من ربه إذا كان ساجدا‏.‏ وقال غيره‏:‏ يصلي جملة صلاته إيماء إلا الأخيرة يركع ويسجد فيها، إذ لا بدل عن القيام والركوع والسجود لهما بدل وهو الإيماء ويرد عليه أن الجلوس بدل من القيام، قال‏:‏ وجلوسه في التشهد وغيره سواء كجلوس القائم، ولو حضرت الصلاة في الأرض ذات الطين، قال في البيان‏:‏ يسجد ويجلس على الطين والخضخاض من الماء الذي لا يغمره، وقاله ابن عبد الحكم، ولا يمنعه من ذلك تلويث يديه، ولو صلى إيماء أعاد أبدا، وروى زياد عن مالك وحكاه ابن حبيب عن مالك وعمن لقي من أصحابه أنه يصلي إيماء كالمريض العاجز عن الجلوس والسجود، قال‏:‏ وأرى لذي الثياب الرثة لو أتى لا يفسدها الطين، ولا يتضرر به في جسمه لا يجوز له الإيماء وإلا جاز قياسا على مسألة الكتاب في الذي لا يجد الماء إلا بثمن؛ لأنه في الموضعين انتقل عما وجب عليه لحياطة ماله‏.‏

الثامن‏:‏ قال في الكتاب‏:‏ إذا صلى مضجعا أومأ برأسه، قال صاحب الطراز‏:‏ هذا يدل على أن الإيماء بدل لا بعض المعجوز عنه فإن الإيماء بالرأس ليس من السجود، وعلى هذا لا يجب فيه استيفاء القدرة ولو صح أعاد في الوقت عند ابن سحنون تحصيلا للأكمل، وقيل لا إعادة عليه؛ لأنه أتى بما أمر فإن عجز عن الإيماء برأسه أومأ بعينيه وقلبه، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ تسقط عنه الصلاة‏.‏ وفي الجواهر إذا لم تبق إلا النية فينوي عندنا، وعند الشافعي احتياطا وهو الذي اقتضته المذاكرة وعند ‏(‏ح‏)‏ تسقط؛ لأن الأصل البراءة، ولأن النية وسيلة تسقط عنده بسقوط مقصدها ويجب على المضطجع الإحرام والقراءة، فإن عجز عن النطق فبقلبه ويحرك لسانه ما استطاع، وهذا واجب عند ‏(‏ش‏)‏ وأشهب، والظاهر من المذهب السقوط؛ لأن القراءة كلام عربي فلا يأتي إلا بلسان ووجوب غيره يحتاج إلى نص من جهة الشرع‏.‏

التاسع‏:‏ كره في الكتاب للقائم في الصلاة تنكيس الرأس ولم يعين لبصره جهة معينة، وقال ابن القاسم فيه‏:‏ وبلغني عنه أنه يضعه في جهة قبلته ومذهب ‏(‏ش‏)‏ و‏(‏ح‏)‏ يستحب له وضعه موضع سجوده، وفي جلوسه إلى حجره‏.‏ لنا أن عدم الدليل دليل على عدم المشروعية، ولم يرد دليل في ذلك، وفي مسلم قال عليه السلام‏:‏ لينتهين أقوام عن رفع أبصارهم إلى السماء في الصلاة أو لا ترجع إليهم‏.‏ ووجه استقبال القبلة أنه أمر باستقبال القبلة بجملته ومنها بصره، وأما تنكيس الرأس فليس فيه استقبال بالوجه، وقد قال عمر رضي الله عنه‏:‏ أرفع برأسك؛ فإن الخشوع في القلب‏.‏

الركن الثاني‏:‏ تكبيرة الإحرام، وسميت بذلك؛ لأن الإنسان يدخل بها في حرمات الصلاة فيحرم عليه ما كان قبلها مباحا له كالكلام والأكل والشرب، ومن قول العرب أصبح وأمسى إذا دخل في الصباح والمساء، وأنجد وأتهم إذا دخل نجدا وتهامة، وكذلك أحرم إذا دخل في حرمات الصلاة أو الحج، والداخل يسمى محرما فيهما فهذه الهمزة للدخول في الشيء المذكور معها وتنعقد الصلاة بقولنا‏:‏ الله أكبر إجماعا، وزاد ‏(‏ش‏)‏ الأكبر وأبو يوسف الكبير و‏(‏ح‏)‏‏:‏ الله أجل وأعظم ونحو ذلك، ومنع من الانعقاد بالثناء على الله تعالى في النداء نحو‏:‏ يا رحمن، وجوز ابن شهاب الاقتصار على النية دون لفظ ألبتة‏.‏ لنا على الفرق ما في أبي داود من قوله عليه السلام‏:‏ مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم‏.‏ وجه الاستدلال به ما تقدم في المقدمة أن المبتدأ يجب انحصاره في الخبر فينحصر سببه في التكبير، فلا يحصل بغيره فيبطل مذهب الحنفية، ونقول لغيرهم‏:‏ إن كان التكبير تعبدا فيجب أن يتبع فعله - عليه السلام - والأمة بعده من غير قياس ولا تصرف، وإلا فلا يقتصر على الأكبر لوجود الثناء في غيره، كما قالت الحنفية، وأيضا فينتقض بقولنا‏:‏ الأكبر الله فإنه أبلغ مما ذكره الشافعية ولا يقولون به، وكذلك الله المستعان، ويلزمهم أن يقولوا ذلك في ألفاظ الفاتحة‏.‏

وفي الركن فروع ثمانية‏:‏ الأول قال صاحب الطراز‏:‏ لا يجزئ إشباع فتحة الباء حتى يصير أكبار بالألف، فإن الأكبار جمع كبر والكبر الطبل، ولو أسقط حرفا واحدا لم يجزه أيضا، ووافقنا ‏(‏ش‏)‏ في الموضعين، وأما قول العامة الله وكبر فله مدخل في الجواز؛ لأن الهمزة إذا وليت الضمة جاز أن تقلب واوا الثاني، قال‏:‏ إذا أحرم بالعجمية وهو يحسن العربية لا يجزيه عندنا وعند ‏(‏ش‏)‏، خلافا لـ ‏(‏ح‏)‏ فإن كان لا يحسنها فعند القاضي عبد الوهاب يدخل بالنية دون العجمية، وقال أبو الفرج و‏(‏ش‏)‏‏:‏ يدخل بلغته لنا في الموضعين الحديث المتقدم، ولأن المطلوب لفظ التكبير دون معناه فقد يكون العجمي موضوعا لغير الله تعالى في العربية‏.‏

فرع مرتب‏:‏

قال‏:‏ لو كبر هذا بالعجمية وسبح أو دعا بطلت صلاته، وقد أنكر مالك في الكتاب جميع ذلك؛ لنهي عمر - رضي الله عنه - عن رطانة الأعاجم، وقال‏:‏ إنها خب‏.‏ قال صاحب التنبيهات‏:‏ الرطانة بفتح الراء وكسرها معا وفتح الطاء المهملة وهي كلامهم بلسانهم، والخب بكسر الخاء المعجمة وتشديد الباء بواحدة أي‏:‏ مكر وخديعة، قال صاحب الطراز‏:‏ وقد تأول جواز ذلك بعض المتأخرين من الكتاب وهو فاسد، ويجب على العجمي أن يتعلم من لسان العرب ما يحتاجه لصلاته وغيرها، فإن أسلم أول الوقت أخر الصلاة حتى يتعلم كعادم الماء الراجي له آخر الوقت إن كان يجد آخر الوقت من يصلي به، وإلا فالأفضل له التأخير، قال‏:‏ فلو كان بلسانه عارض يمنعه من النطق بالراء لم يسقط عنه التكبير؛ لأن كلامه يعد تكبيرا عند العرب، فلو كان مقطوع اللسان أو لا ينطق إلا بالباء سقط عنه، وقال الشافعي‏:‏ يحرك لسانه ما أمكنه‏.‏

الثالث‏:‏ قال في الكتاب‏:‏ إذا نسي تكبيرة الإحرام مع الإمام، وكبر للركوع ناويا بذلك تكبيرة الإحرام أجزأته، وإن لم ينو مضى مع الإمام وأعاد الصلاة، وإن لم يكبر ألبتة كبر وكان من الآن داخلا في الصلاة‏.‏

قال صاحب الطراز‏:‏ ظاهر كلامه أنه نوى الإحرام والركوع معا، وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ هذا لا يجزئ للإشراك في النية لنا أن تكبيرة الإحرام، ونيتها حاصلان فلا يضر القصد إلى قربة أخرى، كما لو نوي إسماع الغير فلو وقعت هذه التكبيرة المشتركة في الانحطاط، قال الباجي‏:‏ هذا هو ظاهر الكتاب ويجزيه؛ لأنه ابتدأها في آخر أجزاء القيام، وقال ابن المواز‏:‏ لا يجزيه؛ لأن القيام الذي يختص بالإحرام لا يتحمله الإمام عن المأموم، وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ إذا أتى بحرف واحد منحنيا للركوع لم يدخل في المكتوبة، وقول الباجي محمول على أنه يدخل بأول حرف، وهي مسألة خلاف فمن جعلها جزءا من الصلاة، قال‏:‏ يدخل بأول حرف، ومن جعلها سبب الدخول في الصلاة لم يدخل في الصلاة حتى يتحقق السبب للدخول، فلو كبر للركوع ولم ينو الإحرام وذكر وهو راكع، قال في الكتاب‏:‏ يتمادى لاحتمال الصحة على رأي ابن شهاب وفي العتبية يرفع ويكبر، ثم يركع؛ لأنه قطع للشك‏.‏ وإذا قلنا يرجع فظاهر العتبية بغير سلام ترجيحا للبطلان، وقال ابن القاسم‏:‏ بسلام ترجيحا للصحة على رأي ابن شهاب وإن لم يذكر حتى رفع، فالمشهور يتمادى، وخيره أبو مصعب بين القطع والتمادي مع الإعادة، وقال ابن القاسم‏:‏ في الجمعة يقطع، ورواه ابن حبيب، وقال أيضا يتمادى، ويعيد ظهرا للاحتياط للجمعة، وأما إعادتها بعد فراغ الإمام فهو المشهور وهل ذلك على سبيل الوجوب وهو اختيار صاحب الطراز‏؟‏ أو الندب‏؟‏ قال‏:‏ وهو اختيار صاحب الجلاب، وصاحب النكت؛ لأن تكبيرة الركوع تجزئ عن تكبيرة الإحرام لمن نسيها عند ابن المسبب، ولا تجزئ عند ربيعة بن أبي عبد الرحمن كما في الكتاب، قال صاحب الطراز‏:‏ قال سحنون‏:‏ المعروف مكان ابن المسبب ابن شهاب وهو المذكور في الموطأ، قال‏:‏ وخرج المسألة على اشتراط مقارنة النية للتكبير فمن اشترط أوجب، ومن لا فلا؛ لأنه قصد الصلاة عند القيام، قال‏:‏ وفيه نظر فإنه لو دخل المسجد لقصد الصلاة وكبر للركوع لم يجزه عند ربيعة، قال‏:‏ وإنما مدرك المسألة هل تفتقر تكبيرة الإحرام إلى نية غير نية الصلاة وهو مذهب ربيعة، أو لا تفتقر وهو مذهب سعيد‏؟‏ قال‏:‏

ونقل أبو سعيد أنها لا تجزئه عند ربيعة، وليس في الكتاب إلا الإعادة فيحتمل الاحتياط، وقد تأول بعض الناس على ابن شهاب وابن المسيب الدخول في الصلاة بمجرد النية كالصوم والحج‏.‏

تنبيه‏:‏

قول صاحب الطراز إن صاحب الجلاب، قال‏:‏ بالندب مشكل؛ لأن ابن الجلاب قد، قال‏:‏ يعيد إيجابا فصرح بالإيجاب، قال صاحب القبس‏:‏ النقل عن ابن المسيب سهو في المدونة وإنما هو ابن شهاب، وقال صاحب المقدمات، وصاحب التنبيهات‏:‏ يجزئ عندهما معا فعلى هذا لا سهو وأمكن الجمع بين الموطأ والمدونة، قال صاحب الطراز‏:‏ ولو ذكر وهو راكع فكبر للإحرام فقد أخطأ، ويلغي تلك الركعة ويقضيها بعد سلام الإمام، وقال ابن المواز‏:‏ تجزئه قال‏:‏ وكذلك إذا ذكر وهو ساجد فكبر للإحرام، وأنكره بعض الأصحاب بناء على أن من شرط الإحرام القيام قال‏:‏ والذي قاله محمد ظاهر فإنه - عليه السلام - لم يشترط مع الإحرام قياما، وإنما القيام ركن في الركعة فإذا لم تبطل لفواته لا تبطل لذهابه من الإحرام، قال‏:‏ فإن لم يكبر للإحرام ولا للركوع لم تجزه تكبيرة السجود إلا على القول بأن الإمام يحملها، ولا يكتفي بصورة التكبير على القول بعدم اشتراط النية فيها؛ لأن من شرطها أن يقترن بها ما يعتد به من صلاته، وهاهنا ليس كذلك فإن لم يذكر حتى ركع الثانية وكبر لركوعها فهل تكون الثانية كالأولى‏؟‏ فقال ابن حبيب‏:‏ يحرم ولا يقطع بسلام ولا كلام، وفي الموازية يتمادى ويقضي ركعة، ثم يعيد وسوى بينهما، قال‏:‏ والأول أبين فإن التكبير صادف قيام النية الحكمية، واتصل بفعل معتد به، قال‏:‏ فإن قيل لم لا يحمل الإمام تكبيرة الإحرام كالقراءة مع أنه مروي عن مالك‏؟‏ قلنا حمل الإمام فرع صحة صلاة المأموم ولم تصح له صلاة قبل التكبير، وهذا الذي ذكره مصادرة فإن الخصم لا يقول صحت بالنية، بل يقول القراءة لها بدل حالة الجهر وهو السماع والقدر المقصود من القراءة وحالة السر وهو توفره على الخشوع والفكرة في المثول بين يدي الله تعالى فحملها الإمام لوجود ما يخلفها والتكبيرة لا بدل لها، ولأن المأموم مفتقر إلى لفظ يخرج به من الصلاة ولا يحمله الإمام وهو السلام فيفتقر إلى لفظ يدخل به في الصلاة ولا يحمله الإمام وهو التكبير تسوية بين الطرفين، بخلاف القراءة قد فقد فيها معنى التسوية، وبهذا الفرق فرقنا بين الصلاة والصوم لما قاسها الحنفية عليه في عدم الاحتياج إلى السلام‏.‏

الرابع‏:‏ قال في الكتاب‏:‏ إذا نسي الإمام تكبيرة الإحرام وكبر للركوع وكبر من خلفه للإحرام، أعاد جميعهم الصلاة، وكذلك لو نوى بتكبيرة الركوع الإحرام؛ لأنه ابتدأ الصلاة بالركوع، وأما المأموم فقيام الإمام نائب عنه‏.‏

قال صاحب الطراز‏:‏ قال أبو الفرج هذا على القول بوجوب الفاتحة في كل ركعة، وأما على غيره فتجزئه، قال صاحب الطراز‏:‏ وعلى القول بأن من ترك القراءة في ركعة ألغاها فإنه يسجد لسهوه وتصح صلاته، وهل يعيد أم لا‏؟‏ يتخرج على مسألة السهو عن القراءة‏.‏

الخامس‏:‏ إذا كبر ظانا بأن الإمام قد كبر، ثم كبر الإمام أعاد صلاته إلا أن يكبر بعده، قال صاحب الطراز‏:‏ لا يعيد على القول بحمل الإمام تكبيرة الإحرام ووافق المشهور ‏(‏ح‏)‏، وللشافعي قولان وإذا كبر بعده، ففي الكتاب‏:‏ ليس عليه أن يسلم، وعن سحنون و‏(‏ش‏)‏ أنه يسلم كأنه عقد الصلاة في الجملة فأشبه من أحرم بالظهر قبل الزوال، فإنها تنعقد نافلة‏.‏ حجة المشهور‏:‏ أنه إنما عقد صلاته بصلاة الإمام وليس للإمام حينئذ صلاة بلا عقد فلا حاجة إلى الحل، قال‏:‏ ولو أحرم بعد سلام الإمام ظانا أنه في التشهد، قال أشهب‏:‏ ليس عليه الاستئناف والفرق أن هذا بني على أمر ثبت وانقضى، والأول بني على أمر لم يدخل الوجود البتة كمن أدرك الإمام في التشهد فإنه يصح إحرامه بنية الإتمام، وإن كان لم يشاركه في الصلاة؛ لأنه لا يسجد لسهو الإمام في تلك الصلاة وله إعادتها في جماعة، قال‏:‏ ولو أحرم جماعة قبل إمامهم، ثم أحدث إمامهم فقدم أحدهم فصلى بأصحابه فسدت صلاتهم عند ابن سحنون، وكذلك إن صلوا أفذاذا؛ لفساد إحرامهم، قال‏:‏ فلو لم يحرم بعد إمامه حتى ركع ونوى بتكبيرة الركوع الإحرام، أو لم ينو يجري الحكم على ما تقدم فإن لم يكبر للركوع ولا للسجود فمقتضى قول مالك أنه لا يحتاج في القطع إلى سلام، وقال ابن القاسم‏:‏ السلام أحب إلي، قال‏:‏ قال التونسي‏:‏ جعل الركوع ينوي الإحرام، قال ابن يونس وصاحب النكت إنما قال في الكتاب‏:‏ يجزئ المأموم تكبيرة الركوع إذا نوى بها الإحرام إذا كبر للركوع قائما؛ لأن القيام واجب عليه ولا يحمله الإمام، أما إذا كبر للركوع بعد القيام في الركوع فلا يجزئه؛ لتركه القيام‏.‏

السادس قال‏:‏ فلو أحرما معا أعاد بعده عند مالك و‏(‏ش‏)‏، خلافا لأبي حنيفة ملحقا الإحرام بالركوع والسجود، وإنما الممنوع السبق‏.‏ لنا قوله - عليه السلام - في الموطأ‏:‏ إنما جعل الإمام؛ ليؤتم به فإذا كبر فكبروا‏.‏ والفاء للتعقيب، وجواب الشرط أيضا بعده، وأما الركوع والسجود فإنا وإن استحببنا تقدم الإمام فيهما فلا يتأخر المأموم حتى ينقضي لطول الأفعال فلا تحصل المتابعة فيهما على الكمال إلا كذلك، وأما الأقوال كالتكبير كله والسلام والتأمين فيتأخر المأموم عن جملتها؛ لضيق زمانها وذلك هو الاتباع عادة في الفصلين، قال‏:‏ وإذا قلنا يعيد التكبير فهل يسلم قبل ذلك‏؟‏ يتخرج على ما إذا تمادى على إحرامه هل يعيد وهو مذهب مالك فلا يحتاج إلى سلام أو يجزئه، وهو مذهب ابن القاسم فيحتاج إلى السلام، وقال ابن عبد الحكم‏:‏ إن لم يسبقه الإمام بحرف بطلت صلاته، قال‏:‏ وهذا مبني على أصل هل يدخل المصلي في الصلاة بالهمزة الأولى أو لا يدخل إلا بالراء‏؟‏ فإنه لوقال الله، ثم شغله السعال حتى ركع الإمام فركع معه لم يجزه، وينبني على هذا الفرع هل تكبيرة الإحرام ركن أم شرط‏؟‏ فقوله عليه السلام‏:‏ تحريمها التكبير فإضافة التحريم إليها يقتضي شرطيتها، قال‏:‏ وكذلك السلام أيضا هل هو من الصلاة أم لا‏؟‏ ويؤكد الشرطية افتقاره إلى النية المخصصة به وكون المسبوق تقدمه كالنية والطهارة بخلاف الركوع والسجود يؤخره حتى يسلم الإمام ولا يحمله الإمام بخلاف أذكار الصلاة وكذلك السلام يفتقر إلى نية تخصه ولا يتبع المسبوق الإمام فيه بل يؤخره حتى يفرغ ولا يحمله الإمام، ويشرع لغير القبلة متيامنا فيه، قال‏:‏ واحتج أصحابنا على ركنيته بأن شروط الصلاة شروطه أيضا كالطهارة والستارة والقبلة ومقارنة النية ودخول الوقت، وأما اختصاصه واختصاص السلام بالنية فلتعيين حالة الدخول في الصلاة والخروج منها، ولا يسلم المسبوق مع الإمام؛ لئلا يخرج من الصلاة قبل تمامها ولا يحملها الإمام؛ لأنه إنما يصير مأموما بالتكبير، ويجب السلام عليه تسوية بينهما؛ لأنهما طرفا الصلاة وشرع فيه التيامن تنبيها على الخروج، قال‏:‏ وإذا كانت ركنا دخل المصلي في الصلاة بحركة الهمزة حتى يقع التكبير من الصلاة إلا أن يمنع مانع من تمامها، كما يدخل في الصوم بأول جزء من النهار وهو من الصوم، قال‏:‏ وقول ابن القاسم يجزئه أوجه؛ لأن إحرامه قارن إحرام الإمام موجودا، أما لو سلما معا فيعيد أبدا عند أصبغ، ويجري فيه الاختلاف الذي في الإحرام وقول ابن عبد الحكم‏.‏

السابع قال‏:‏ لو أحرم أحدهما مؤتما بالآخر، ثم شكا عند التشهد في أيهما الإمام، قال سحنون‏:‏ يتفكران من غير طول فإن طال أو سلم أحدهما قبل الآخر بطلت صلاة السابق؛ لأنه سلم على شك، والمتأخر إن كان إماما فلا يضره تقدم المأموم، وإن كان مأموما فقد صادف الحكم فلو كانا مسافرا ومقيما وشكا بعد ركعتين، قال سحنون‏:‏ يسلم المسافر ويعيد ويتم المقيم؛ لأنه لو أتم أتم مع شكه وليس هو على يقين من إكمال الصلاة في حقه‏.‏

الثامن قال‏:‏ لو شك المصلي في تكبيرة الإحرام أما الإمام والمنفرد فهما كالمتيقن لعدم التكبير عند ابن القاسم، ويمضيان ويعيدان عند ابن عبد الحكم كبرا للركوع أم لا إلا أن يذكرا قبل أن يركعا فيعيدان التكبير والقراءة، وقال سحنون‏:‏ يتمادى الإمام وهو يتذكر فإذا سلموا سأل القوم فرأى ابن القاسم أن العمل على الشك لا يجزئه وهو مذهب الشافعي، ورأى غيره احتمال حرمة الصلاة، وأما المأموم إن ذكر قبل أن يركع قطع بسلام وأحرم، وإن لم يذكر حتى ركع وكبر للركوع تمادى وأعاد وإن لم يكبر فقال أصبغ‏:‏ يقطع، وابن حبيب لا يقطع ويتمادى لاحتمال الصحة ويعيد؛ لاحتمال البطلان‏.‏

نظائر ستة‏:‏ قال المازري‏:‏ إذا شك في الإحرام أو في الطهارة وهو في الصلاة، أو زاد فيها ركعة عامدا أو ساهيا، ثم تبين عدم الزيادة أو فساد الأولى أو سلم من اثنتين ساهيا، وصلى بقية صلاته بنية النافلة، أو أحرم بالظهر، ثم أكملها بنية العصر، ثم تبين الصواب في جميع ذلك ففي الجميع قولان، والبطلان إذا زاد عامدا أو أكمل بنية النافلة أرجح؛ لفساد النية ومعتمد الخلاف في الجميع النظر إلى حصول الصواب في نفس الأمر فتصح أو عدم تصميم المصلي على العبادة فتبطل‏.‏

الركن الثالث‏:‏ القراءة وفيها فروع ثمانية‏:‏

الأول‏:‏ البسملة وفيها أربعة مذاهب‏:‏ الوجوب لـ ‏(‏ش‏)‏، والكراهة لمالك، والندب لبعض أصحابنا، والأمر بها سرا عند الحنفية، قال في الكتاب‏:‏ لا يقرأ البسملة في المكتوبة سرا ولا جهرا، إماما أو منفردا وهو مخير في النافلة‏.‏ قال صاحب الطراز‏:‏ لا يختلف في جوازها في النافلة، وأنها لا تفسد الفريضة، وقال‏:‏ ‏(‏ش‏)‏ وابن شهاب هي آية من الفاتحة، وللشافعي فيما عدا الفاتحة قولان، وقال أحمد‏:‏ ليست آية إلا في النمل‏.‏ لنا وجوه خمسة أحدها‏:‏ ما في الصحيحين، قال‏:‏ أنس صليت خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان - رضوان الله عليهم - أجمعين فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين، لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول القراءة ولا في آخرها‏.‏ الثاني‏:‏ ما في الموطأ، قال أبو هريرة‏:‏ سمعته - عليه السلام - يقول‏:‏ من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج هي خداج هي خداج غير تمام‏.‏ قال أبو السائب مولى هشام بن زهرة‏:‏ يا أبا هريرة إني أحيانا أكون وراء الإمام، قال‏:‏ فغمز ذراعي، ثم قال‏:‏ اقرأ بها في نفسك يا فارسي، قال‏:‏ سمعته - عليه السلام - يقول‏:‏ قال الله تبارك وتعالى‏:‏ قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل‏.‏ قال عليه السلام‏:‏ اقرءوا يقول العبد‏:‏ الحمد لله رب العالمين يقول الله حمدني عبدي، يقول العبد‏:‏ الرحمن الرحيم يقول الله‏:‏ أثنى علي عبدي، يقول العبد‏:‏ مالك يوم الدين، يقول الله‏:‏ مجدني عبدي، يقول العبد‏:‏ إياك نعبد وإياك نستعين فهذه الآية بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، يقول العبد‏:‏ اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين فهذه لعبدي ولعبدي ما سأل‏.‏ وساق الحديث والقسمة ليست في أفعال الصلاة؛ لعدم ذكرها، ولا في غير الفاتحة من الأذكار فتعين أن يكون لفظ الصلاة استعمل مجازا في القراءة الواجبة، إما من باب التعبير بالجزء عن الكل؛ لأن الدعاء جزؤها أو التعبير بالكل عن الجزء؛ لأن الفاتحة جزء الصلاة، ولم يذكر البسملة فيها فليست منها، فإن قيل الجواب عن هذا الحديث من وجهين، الأول الحقيقة الشرعية واللغوية ليستا مرادتين إجماعا، فلم يبق سوى المجاز وهو عندنا مجاز عن الحقيقة اللغوية التي هي الدعاء إلى قراءة مقسومة بنصفي، وهذا أعم من كونه جملة الفاتحة أو بعضها فيحتاج إلى الترجيح وهو معها فإن بعضها أقرب إلى الحقيقة من كلها، والأقرب إلى الحقيقة أرجح فيبقى البعض الآخر غير مذكور وهو المطلوب‏.‏ الثاني‏:‏ أن الصلاة ليست مقسومة اتفاقا فيكون، ثم إضمار تقديره قسمت بعض قراءة الصلاة، ونحن نقول بموجبه والجواب عن الأول أن التجوز عن الحقيقة الشرعية أولى لوجهين أحدهما‏:‏ أن كل من أطلق لفظه حمل على عرفه، ولذلك حملنا قوله عليه السلام‏:‏ لا يقبل الله صلاة بغير طهور على الصلاة الشرعية، وثانيهما‏:‏ أن التجوز عن الكل إلى الجزء أولى من الجزء إلى الكل لحصول الاستلزام في الأول دون الثاني، وعلى هذا يكون استيعاب القراءة الواجبة أقرب إلى الحقيقة من بعضها، وعن الثاني أن المجاز أولى من الإضمار كما تقرر في علم الأصول‏.‏ الثالث أن الفاءات هي الفاصلة بين الآي، فلو كانت البسملة من الفاتحة، لكانت الآيات ثمانية وهو باطل لوجهين‏:‏ الأول تسميتها في الكتاب والسنة بالسبع المثاني، والثاني أنه يلزم أن يكون قسم الله تعالى يكمل عند مالك يوم الدين وليس كذلك‏.‏ الرابع أن القول بما يفضي إلى التكرار وهو خلاف الأصل وهو في الرحمن الرحيم‏.‏

وأجاب بعضهم عن هذا السؤال بأن الأول ثناء على الله بالرحمة في الفعل المبسل عليه، والثاني ثناء الله تعالى بالرحمة لكل مرحوم فلا تكرار‏.‏ الخامس إجماع أهل المدينة فإن الصلاة تقام بينهم من عهده - عليه السلام - إلى زمن مالك مع الجمع العظيم الذي يستحيل تواطؤهم على الكذب فنقلهم لذلك بالفعل كنقلهم له بالقول فيحصل العلم، فلا يعارضه شيء من أخبار الآحاد احتجوا بوجوه، أحدها إجماع الصحابة على كتبها في المصحف، والإرسال به إلى البلاد احترازا للقرآن وضبطا له فتكون من القرآن، ولذلك لم يكتبوها في أول براءة لما لم يثبت أنها منها‏.‏ الثاني ما رواه النسائي عن نعيم المجمر، قال‏:‏ صليت وراء أبي هريرة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، ثم قرأ بأم القرآن وذكر الحديث، وقال‏:‏ والذي نفسي بيده أني لأشبهكه بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ الثالث ما في الترمذي عن ابن عباس، قال‏:‏ كان - عليه السلام - يستفتح الصلاة بسم الله الرحمن الرحيم، والجواب عن الأولى أنها لما أنزلت في النمل أمر عليه السلام‏:‏ لا يكتب كتابا إلا ابتدئ بها فيه فجرى الصحابة - رضوان الله عليهم - على ذلك كما هو اليوم وبذلك روي عن ابن عباس أنه قال‏:‏ قلت‏:‏ لعثمان ما بالكم كتبتم بسم الله الرحمن الرحيم، وأسقطتموها من براءة‏؟‏ فقال‏:‏ ما تحققت هل هي سورة على حيالها أم هي والأنفال سورة‏؟‏ وعن الثاني أنه لم يخرجه أحد ممن اشترط الصحة، وحديثه في الموطأ يوهن هذا الحديث، وعن الثالث أنه ضعفه الترمذي‏.‏ وأما قول مالك إن ذلك في النافلة واسع فعل ذلك في غير الفاتحة وهي رواية ابن القاسم في العتبية أو في الفاتحة وغيرها، وهو حكاية الباجي عن العراقيين‏.‏

حجة الأول‏:‏ ما في أبي داود عن عائشة - رضي الله عنها - قالت‏:‏ كان - عليه السلام - يفتتح الصلاة بالتكبير، والقراءة بالحمد لله رب العالمين، وعموم اللام يشمل الفرض والنفل‏.‏

تنبيه‏:‏

جمهور الأصحاب يعتمدون على أن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر، والبسملة ليست متواترة فلا تكون قرآنا، ويعتقدون أنه دليل قاطع وهو باطل؛ لأن قولهم القرآن لا يثبت إلا بالتواتر، إن أخذوه كلية اندرجت فيها صورة النزاع فالخصم يمنع الكلية؛ لاشتمالها على صورة النزاع أو جزئية لم تفد شيئا إذ لعل صورة النزاع فيما بقي غير الجزئية، ومما يوضح لك فساده أن من زاد في القرآن ما ليس منه فهو كافر إجماعا، وكذلك من نقص منه ما هومنه فكان يلزم تكفيرنا أو تكفير خصمنا، وهو خلاف الإجماع فدل على أن القرآن ليس ملزوما للتواتر بل عند الخصم القرآن يثبت بالتواتر وبغير التواتر فمصادرته على ذلك لا تجوز؛ لأنه يقول إن البسملة ليست متواترة وهي قرآن، ونحن أيضا نقول هي غير متواترة ولا يكفر مثبتها من القرآن فدل ذلك على أننا غير جازمين بأن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر‏.‏ الثاني قال في الكتاب‏:‏ يتعوذ في غير الصلاة قبل القراءة إن شاء، ولا يتعوذ أحد في المكتوبة، ويجوز في قيام رمضان، ولم يزل الناس يتعوذون فيه خلافا لـ ‏(‏ش‏)‏ و‏(‏ح‏)‏ لنا ما تقدم في البسملة من النصوص وعمل المدينة، قال صاحب الطراز‏:‏ واختلف قوله قبل الفاتحة في النافلة فأجازه في الكتاب، وكرهه في العتبية وإذا تعوذ فهل يجهر به كالقراءة أو كالتسبيح‏؟‏ له قولان فكان ابن عمر يسره، وأبو هريرة يجهر به، ويتعوذ في جملة الركعات عند ابن حبيب و‏(‏ش‏)‏؛ لأنه من توابع القراءة، ويختص بالركعة الأولى عند ‏(‏ح‏)‏؛ لأنه لافتتاح الصلاة‏.‏

حجة الأول‏:‏ قوله تعالى‏:‏ ‏(‏فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم‏)‏‏.‏

حجة الثاني‏:‏ أن المهم صرف الشيطان في هذه الحالة عن الصلاة وقد حصل، ولفظه عند مالك و‏(‏ش‏)‏ و‏(‏ح‏)‏‏:‏ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وعند الثوري أعوذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم إنه هو السميع العليم، ومذهب الجماعة موافق لظاهر الكتاب فيكون أولى‏.‏ الثالث قال في الكتاب‏:‏ ليس العمل على قول عمر حين ترك القراءة، قالوا له إنك لم تقرأ، قال‏:‏ كيف كان الركوع والسجود‏؟‏ قالوا حسنا، قال‏:‏ فلا بأس إذن ويعيد بعد الوقت‏.‏ قال صاحب الطراز‏:‏ وروي عنه رواية شاذة أن الصلاة صحيحة، قال المازري، وقال ابن شبلون‏:‏ إن أم القرآن ليست فرضا، محتجا بأنها لو كانت فرضا لما حملها الإمام؛ فإن الإمام لا يحمل الفروض، ولقضية عمر رضي الله عنه‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ أنه يحمل القيام وهو فرض، ولأن الحمل رخصة فيقتصر بها على محلها جمعا بينه وبين الأحاديث الدالة على الوجوب‏.‏ وعن الثاني أن المتروك لعمر - رضي الله عنه - يحتمل أن يكون الجهر دون القراءة‏.‏

حجة المذهب‏:‏ المتقدم من الحديث في البسملة‏.‏ الرابع قال في الكتاب‏:‏ إذا لم يحرك لسانه فليس بقراءة، وقاله ‏(‏ش‏)‏؛ لأن المعهود من القراءة حروف منظومة والذي في النفس ليس بحروف فإن حرك لسانه ولم يسمع نفسه، قال ابن القاسم في العتبية‏:‏ يجزئه والاسماع يسير أحب إلي، وقاله ‏(‏ش‏)‏ فلو قطع لسانه، قال صاحب الطراز‏:‏ لا يجب عليه أن يقرأ في نفسه خلافا لـ ‏(‏ش‏)‏ وأشهب؛ لأن الذي في النفس ليس بقراءة، وإذا لم تجب القراءة فيختلف في وقوفه تخريجا على الأمي، قاله صاحب الطراز، وفي الجواهر‏:‏ الأبكم يدخل بمجرد النية‏.‏ الخامس قال في الكتاب‏:‏ من ترك القراءة في ركعة من الصبح أو ركعتين من غيرها أعاد الصلاة فإن ترك في ركعة من غير الصبح استحب الإعادة في خاصة نفسه‏.‏ قال ابن يونس يريد إذا كانت حضرية وأتمها بالسجود، وقال أيضا في الكتاب‏:‏ يلغيها، ثم قال في آخر عمره‏:‏ يسجد قبل السلام، قال ابن القاسم‏:‏ وما هو بالبين والأول أعجب إليه، قال ابن يونس، قال ابن المواز‏:‏ الذي استحب ابن القاسم، وأشهب السجود قبل السلام والإعادة، وكان عندهما إعادة الركعة الواحدة أبعد أقاويل مالك، قال سحنون‏:‏ قول ابن القاسم وهو أعجب إليه مراده قوله الأخير بالسجود، وعليه جل أصحابنا، ونقل أبو محمد أن رأي ابن القاسم بإلغاء الركعة، قال صاحب الطراز‏:‏ ومراده بالقراءة الفاتحة، وفي الجواهر هي واجبة في كل ركعة على الرواية المشهورة، وقال القاضي أبو محمد‏:‏ وهو الصحيح من المذهب يعني في التلقين وفي الأكثر على رواية وفي ركعة عند المغيرة، وكلام التلقين والجواهر هو رأي العراقيين وهو خلاف ظاهر الكتاب كما ترى ووافقنا ‏(‏ش‏)‏ على وجوبها، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ سنة يسجد لسهوها، والواجب مطلق القراءة نحو نصف آية وروى عنه آية، وروى آية طويلة أو ثلاث آيات قصار، ولا تجب القراءة عنده إلا في ركعتين فقط ملاحظة لأصل المشروعية، والزائد على الركعتين شرع على الخفة‏.‏ لنا حديث أبي هريرة‏.‏

حجة ‏(‏ح‏)‏ قوله تعالى‏:‏ ‏(‏فاقرءوا ما تيسر من القرآن‏)‏، ولأن الفاتحة مدنية وكانت الصلاة قبلها صحيحة إجماعا، فلا يرتفع الإجماع إلا بمعارض راجح‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ أن المراد بالقراءة صلاة الليل، قاله ابن عباس، وعن الثاني أن صحة الصلاة معناه لم يدل دليل حينئذ اشتراط الفاتحة وذلك يرجع إلى البراءة الأصلية، ويكفي في رفعها أدنى دليل، وقد بينا رفعها بالحديث الصحيح، وأما وجه اقتصار الوجوب على ركعة فهو ظاهر حديث أبي هريرة، ولأنه نظر واجب فلا يتكرر كالتحريم والسلام وجه الوجوب في كل ركعة قوله - عليه السلام - في مسلم للإعرابي المسيء صلاته‏:‏ قم واستقبل القبلة وكبر، ثم اقرأ‏.‏ وساق الحديث ثم قال‏:‏ وافعل ذلك في صلاتك كلها‏.‏ وبالقياس على الركعة الأولى، ولأنها لما وجبت في ركعة وجبت في جملة الركعات كالركوع والسجود، وجه الوجوب في الأكثر أنها مسألة اجتهاد فيستحب ترك الأقل، ووجه السجود أن أقل أحوالها أن يلحق بالسنن، وفي الجواهر لا تجب على المأموم وتستحب في السر دون الجهر، وقال ابن وهب وأشهب‏:‏ لا يقرؤها فيهما، قال صاحب الطراز‏:‏ لا تجب القراءة على المأموم على الإطلاق عند مالك و‏(‏ح‏)‏، وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ تجب الفاتحة عليه لعموم النصوص، وفي أبي داود والترمذي عن عبادة بن الصامت، قال صلى عليه السلام‏:‏ الصبح فثقلت عليه القراءة، فلما انصرف قال‏:‏ إني أراكم تقرؤون وراء إمامكم‏؟‏ قال‏:‏ قلنا يا رسول الله إي والله، قال‏:‏ فلا تفعلوا إلا بأم القرآن فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها، وصححه الترمذي، وفي النسائي أنه - عليه السلام - صلى بعض الصلوات التي يجهر فيها بالقراءة فقال‏:‏ لا يقرأ احد منكم إذا جهر الإمام إلا بأم القرآن‏.‏ لنا قوله تعالى‏:‏ ‏(‏وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا‏)‏ والخلاف في الجهر والسر واحد، وفي الموطأ أنه - عليه السلام - انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة فقال‏:‏ هل قرأ معي منكم أحد آنفا‏؟‏ فقال رجل‏:‏ نعم أنا يا رسول الله فقال‏:‏ إني أقول ما لي أنازع القرآن فانتهى الناس عن القراءة معه - عليه السلام - فيما جهر فيه، وفي مسلم أقيموا الصفوف، ثم ليؤمكم أقرؤكم فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ فانصتوا، وقوله عليه السلام‏:‏ الأئمة ضمناء والضمان إنما يتحقق في الفاتحة‏.‏

والجواب عن الأول فيما ذكروه‏:‏ أن العمومات مخصوصة بما ذكرناه، وعن الثاني أنه طعن في سنده مالك وأحمد وغيرهما‏.‏ السادس في الجواهر من لم يحسن القراءة وجب عليه تعلمها، فإن لم يسع الوقت ائتم بمن يحسنها، وفي الطراز ينبغي أن يتعلم ولا يتوانى؛ لأنها من فروض الصلاة، وينبغي له أن لا يصلي وحده، قال‏:‏ فإن صلى وحده وهو يجد من يأتم به، قال ابن المواز‏:‏ لم تجزه وأعادها هو ومن ائتم به كذلك، قاله ابن القاسم فإن لم يجد، قال سحنون‏:‏ فرضه ذكر الله تعالى وهو قول ‏(‏ش‏)‏، وعند الأبهري وصاحب الطراز‏:‏ لا يجب التعويض قياسا على تكبيرة الإحرام إذا تعذرت، ولأن البدل يفتقر إلى نص والذي روي من ذلك في حديث الأعرابي المسئ لصلاته زيادة لم تصح، وإذا لم يجب البدل فعند القاضي عبد الوهاب يقف وقوفا، فإن لم يفعل أجزأه؛ لأن القيام وسيلة القراءة، وإذا بطل المقصد بطلت الوسيلة وعند ‏(‏ح‏)‏ يجب الوقوف بقدر آية، وفي المبسوط ينبغي أن يقف بقدر الفاتحة وسورة ويذكر الله تعالى، فلو افتتح الصلاة كما أمر فطرأ عليه العلم بها في أثناء الصلاة بأن يكون شديد الحفظ وسمع من يقرؤها فلا يستأنف الصلاة، قال صاحب الطراز‏:‏ وكذلك لو نسي القراءة، ثم ذكرها في أثناء الصلاة كالعاجز عن القيام فتطرأ عليه القدرة، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ يقطع في الموضعين؛ لأنه عقد إحرامه على غير هذه الصلاة فلو ارتج عليه القراءة في الفاتحة أو غيرها فأراد أن يبتدئ السورة من أولها، ثم تذكر كأن يستأنف القراءة، ويبني على رفض النية هل تؤثر في الإبطال أم لا‏؟‏ قال صاحب الطراز قال‏:‏ ويمكن الفرق بأن الصلاة مفتقرة إلى نية فأثر فيها الرفض، والقراءة لا تحتاج إلى نية فلا يؤثر فيها الرفض وهو قول ‏(‏ش‏)‏ فلو كان لا يقدر على القراءة إلا بالعجمية لم يجز له، خلافا لـ ‏(‏ح‏)‏ محتجا بقوله تعالى‏:‏ ‏(‏إن هذا لفي الصحف الأولى‏)‏، ‏(‏وإنه لفي زبر الأولين‏)‏‏.‏ ولم تكن فيها عربية، ولأن الإعجاز يراد لإقامة الحجة وليس ذلك مقصودا في الصلاة، بل الثناء على الله تعالى والاتعاظ وهما حاصلان‏.‏

وجوابه‏:‏ أن الأول معارض بقوله تعالى‏:‏ ‏(‏فاقرءوا ما تيسر من القرآن‏)‏‏.‏ والقرآن في عرف الشرع العربي، وعن الثاني أن الإعجاز مراد في حق المصلي لاستصحاب الإيمان الذي هو شرط في الصلاة، وهو منقوض بما لو نظم للثناء على الله تعالى شعرا وبالثناء على الله تعالى بغير القرآن‏.‏ السابع في الجواهر‏:‏ لا تجوز القراءة الشاذة ويعيد من صلى خلفه أبدا، وقاله في الكتاب في قراءة عبد الله بن مسعود؛ لأنها تفسير، ومن قرأ بتفسير القرآن بطلت صلاته، وقال أشهب في المجموعة‏:‏ من صلى بالتوراة أو الإنجيل أو الزبور وهو يحسن القرآن أو لا يحسنه فسدت صلاته كالكلام في الصلاة‏.‏ الثامن كره في الكتاب‏:‏ أن يقول بعد الإحرام وقبل القراءة سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك وفي مختصر ما ليس في المختصر أنه كان يقول ذلك بعد إحرامه، وهو قول ‏(‏ح‏)‏ رحمه الله، وجه المشهور ما تقدم في البسملة‏.‏

الركن الرابع‏:‏ الركوع وهو في اللغة انحناء الظهر، قال الشاعر‏:‏

أليس ورائي إن تراخت منيتي *** لزوم عصا تحني عليها الأصابع

أخبر أخبار القرون التي مضت *** أدب كأني كلما قمت راكع

دليل وجوبه قوله تعالى‏:‏ ‏(‏يأيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا‏)‏ ومن السنة قوله عليه السلام‏:‏ ثم اركع حتى تطمئن راكعا‏.‏ والإجماع على ذلك، وفي الجواهر‏:‏ أقله أن تنال راحتاه ركبتيه أو يقربا منهما، وأكمله استواء الظهر والعنق وينصب ركبتيه ويضع كفيه عليهما، ويجافي مرفقيه عن جنبيه ولا يجاوز في الانحناء الاستواء‏.‏ وفي الركن فروع ثلاثة‏:‏

الأول قال في الكتاب‏:‏ إذا عجز عن الركوع والسجود دون القيام يومئ قائما للركوع طاقته ويمد يديه إلى ركبتيه، وإذا قدر على الجلوس أومأ للسجود ويتشهد تشهديه جالسا، وإلا صلى صلاته كلها قائما يومئ للسجود أخفض من الركوع، قال صاحب الطراز‏:‏ واختلف هل يشترط في الإيماء الطاقة أو يأتي بالحركات بدلا عن الركوع والسجود‏؟‏ وهو مذهب الكتاب والأول لمالك أيضا و‏(‏ش‏)‏‏.‏ وجه المذهب القياس على المسايفة وصلاة النافلة، وهما مجمع عليهما، وأما الزيادة للسجود فقياسا على المبدل منه‏.‏

الثاني قال صاحب المنتقى‏:‏ القراءة في الركوع منهي عنها، وكره مالك الدعاء لما في الموطأ أنه - عليه السلام - نهى عن لبس القسي، وعن التختم بالذهب، وعن قراءة القرآن في الركوع، وروى ابن عباس عنه - عليه السلام - أنه قال‏:‏

نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا فأما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم‏.‏

قاعدة‏:‏

الله سبحانه وتعالى غني عن خلقه على الإطلاق لا تنفعه الطاعة، ولا تضره معصية لكنه أمرنا سبحانه وتعالى أن نظهر الذل والانقياد لجلاله في حالات جرت العادات بأنها موضوعة لذلك، كالركوع والسجود والمبادرة إلى الأوامر، والمباعدة عن النواهي، وأن نتأدب معه في الحالات التي تقتضي الأدب عادة ولذلك قال عليه السلام‏:‏ استحي من الله كما تستحيي من شيخ من صالحي قومك‏.‏ ولما كانت العادة جارية عند الأماثل والملوك بتقديم الثناء عليهم قبل طلب الحوائج منهم؛ لتنبسط نفوسهم لإنالتها أمرنا الله سبحانه وتعالى بتقديم الثناء على الدعاء، كقول أمية بن أبي الصلت‏:‏

أأذكر حاجتي أم قد كفاني *** حياؤك إن شيمتك الحياء

إذا أثنى عليك المرء يوما *** كفاه من تعرضك الثناء

كريم لا يغيره صباح *** عن الخلق الجميل ولا مساء

فيكون الدعاء في السجود لوجهين، أحدهما‏:‏ لهذا المعنى، والثاني‏:‏ أنه غاية حالات الذل والخضوع بوضع أشرف ما في الإنسان الذي هو رأسه في التراب فيوشك أن لا يرد عن مقصده وأن يصل إلى مطلبه‏.‏

فائدة‏:‏

معنى قوله فقمن أي‏:‏ أولى ومثله قمين وحر وحري وجدير، ومعناها كلها‏:‏ أولى‏.‏

الثالث‏:‏ يضع كفيه على ركبتيه، وكان ابن مسعود - رضي الله عنه - يطبق يديه ويضعهما بين فخذيه‏.‏ لنا ما في البخاري قال مصعب بن سعيد‏:‏ صليت إلى جنب أبي فطبقت بين كفي، ثم وضعتهما بين فخذي فنهاني، وقال‏:‏ كنا نفعله فنهينا عنه، وأمرنا أن نضع أيدينا على الركب، وهذا دليل على نسخ الأول ومشروعية الثاني، قال صاحب الطراز‏:‏ فلو كان بيديه علة تثور عليه فوضعهما على ركبتيه أو قصر كثير لم يزد في الانحناء على تسوية ظهره أو قطعت إحداهما وضع الثانية على ركبته‏.‏ وقال بعض الشافعية‏:‏ على الركبتين‏.‏

الركن الخامس‏:‏ الرفع من الركوع ففي الجواهر‏:‏ إن أخل به وجبت الإعادة على رواية ابن القاسم، قال المازري‏:‏ ولكنه يتمادى عنده مراعاة للخلاف، ولم يجب في رواية علي بن زياد، وفي مسلم قال - عليه السلام - للمسيء صلاته‏:‏ واركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تطمئن رافعا تعتدل والأمر للوجوب‏.‏ والرواية الأخرى على أن الرفع وسيلة الفرق بين الركوع والسجود وعدمه لا يوجب الالتباس، قال‏:‏ وإذا قلنا برواية ابن القاسم فهل يجب الاعتدال‏؟‏ فروى ابن القاسم لا يجب، وعند أشهب يجب لظاهر الحديث، وقال القاضي أبو محمد‏:‏ يجب ما هو إلى القيام أقرب، ووافقنا الشافعي على وجوب القيام، وخالفنا ح وقضى بصحة صلاة من خر من الركوع إلى السجود‏.‏

الركن السادس‏:‏ في السجود وهو في اللغة الانخفاض إلى الأرض، سجدت النخلة إذا مالت ومنه قوله‏:‏

بجيش يظل البلق في حجراته *** ترى الاكم فيها سجدا للحوافر

والأصل في وجوبه قوله تعالى‏:‏ ‏(‏يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا‏)‏ وفعله - عليه السلام - وإجماع الأمة، ونهى في الكتاب عن الإقعاء وإلصاق البطن بالفخذين وإلصاق الضبعين للجنبين، ووضع الذراعين على الفخذين إلا في النوافل، وافتراش الذراعين وأمر بتوجيه اليدين إلى القبلة ولم يعين موضعهما، ومساواة النساء للرجال في السجود والجلوس والتشهد والسجود على الأنف والجبهة‏.‏ وفي الجواهر لا يجب كشف الكعبين ويستحب‏.‏ أما الإقعاء فاختلف في تفسيره، قال أبو عبيدة‏:‏ الجلوس على الأليتين مع نصب الفخذين كالكلب إذا جلس، وقال أهل الحديث‏:‏ وضع الأليتين على القدمين، وزاد الخطابي‏:‏ ويقعد مستقرا وهو يكسر الهمزة الأولى ممدودا، وأما حكمه قال الخطابي‏:‏ كرهه جماعة من الصحابة وأهل العلم وأهل المدينة، وابن حنبل يستعملونه، وفي مسلم سأل طاوس بن عباس عن الإقعاء على القدمين فقال‏:‏ هي السنة وهو حجة لتفسير الحديثين، وفي أبي داود قال عليه السلام لعلي رضي الله عنه‏:‏ يا علي إني أحب لك ما أحب لنفسي، وأكره لك ما أكره لنفسي لا تقع بين السجدتين‏.‏ وأما إلصاق البطن ومجافاة اليدين ففي مسلم أنه - عليه السلام - كان إذا صلى فرج ما بين يديه حتى يبدو بياض إبطيه، وفي أبي داود عن البراء بن عازب أنه وصف سجوده - عليه السلام - فوضع واعتمد على رأسه ورفع عجيزته، وقال‏:‏ هكذا كان - عليه السلام – يسجد، وأما الافتراش فلقوله عليه السلام‏:‏ إذا سجدت فضع كفيك وارفع مرفقيك‏.‏ وأما توجه اليدين فلأنهما يسجدان فيتوجها، وأما مكان وضعهما فلم يحدده في الكتاب، وقال صاحب الطراز‏:‏ قال محمد بن مسلمة وش‏:‏ حذو منكبيه وهو في الحديث عنه - عليه السلام - وحذر أذنيه عند ابن عمر، ويروى عنه - عليه السلام - ذلك في الترمذي‏.‏ قال‏:‏ والخلاف هاهنا مبني على الخلاف في موضعهما حالة الإحرام فإن الإنسان ينبغي أن تكون يداه حالة سجوده موضعهما حالة إحرامه، قال‏:‏ ووضعهما بين المنكب والصدر أمكن للسجود ويبسطهما فإن قبضهما من غير عذر، قال ابن القاسم‏:‏ يستغفر الله وهو محمول على أنه مس الأرض ببعض كفه، أما لو لم يمس إلا ظاهر أصابعه لم يجزه، وفي البيان في الماسك عنان فرسه ولا يصل بيده الأرض،

قال مالك‏:‏ لا بأس به للضرورة وهو أحسن من قوله أيضا‏:‏ ولا أحب له أن يتعمد ذلك ولا يعتاده‏.‏ وأما مساواة النساء للرجال ففي النوادر عن مالك‏:‏ تضع فخذها اليمنى على اليسرى، وتنضم قدر طاقتها، ولا تفرج في ركوع ولا سجود ولا جلوس بخلاف الرجل وهو قول ش، وجه الأول ما في الحديث‏:‏ أن النساء شقائق الرجال، وجه الثاني‏:‏ أن انفراج المرأة يذكر بحال الجماع فيفسد عليها صلاتها، ولذلك قيل إنما يؤمرن بذلك إذا صلين مع الرجال، وأما وضع الكفين مع الوجه في موضع واحد، فلأنهما يسجدان مع الوجه فيشاركانه بخلاف الركبتين والقدم فإنهما يبقيان في الأرض بعد رفع الوجه، فلا يضع يديه إلا على ما عليه وجهه، وأما السجود على الأنف والجبهة، قال صاحب الطراز‏:‏ هو قول الكافة فإن اقتصر على أنفه بطلت عند ابن القاسم، وروى أبو الفرج في الحاوي الإجزاء وإن اقتصر على الجبهة أجزأه عند مالك في النوادر، واستحب له صاحب الإشراف الإعادة في الوقت، وبطلت في الوجهين عند ابن حبيب، وصحت في الوجهين عند ح والمشهور الإجزاء في الجبهة دون الأنف، وجه الوجوب فيهما قوله عليه السلام‏:‏ لا صلاة لمن لم يصب أنفه من الأرض ما يصيب الجبين‏.‏ في الدارقطني حجة أبي حنيفة أن الأنف من الوجه فيجزئ كجزء من الجبهة، وهو مدفوع بالحديث وبالقياس على الذقن، قال‏:‏ وظاهر المذهب أن السجود على الوجه واليدين والركبتين والرجلين واجب، وذكره الطليطلي وهو مذهب ابن حنبل، وعند ح ليس بواجب،

وللشافعي قولان، وفي الجواهر قال القاضي أبو الحسن‏:‏ يقوي في نفسي أن السجود على الركبتين وأطراف القدمين سنة في المذهب، قال‏:‏ فإن لم يرفع يديه عند رفعه من السجود قيل‏:‏ تبطل صلاته، وقيل‏:‏ لا تبطل‏.‏

فروع سبعة‏:‏

الأول‏:‏ قال في الكتاب‏:‏ إذا عجز عن السجود لا يرفع إلى جبهته شيئا ولا ينصب بين يديه شيئا يسجد عليه، فإن استطاع السجود وإلا أومأ، فإن رفع شيئا وجهل لا إعادة عليه‏.‏ وقال ش‏:‏ ينصب شيئا يسجد عليه قياسا على الرابية تكون بين يديه فإن وضعه على يديه لم يجزه؛ لأنه ساجد على ما هو حامل له، وإنما يسجد على الأرض أو ما يقوم مقامها‏.‏ لنا ما في الكتاب عن ابن شهاب أنه - عليه السلام - نهى أن يصلي الرجل على رحل، وقال‏:‏ فمن لم يستطع فليومِ برأسه إيماء، قال صاحب الطراز‏:‏ وأما قوله إن نصب شيئا لا إعادة عليه فهذا له حالتان‏:‏ أن الصلاة بجبهته وأنفه لم يجزه، وإن أومأ إليه أجزأه، قاله في النوادر، قال‏:‏ وفيه نظر فإن السجود كان على الأرض فوجب أن يكون الإيماء لها، ألا ترى إلى قول مالك يحسر العمامة عن جبهته في إمائه، وابن القاسم لاحظ كونه بدلا يعرض فيه عن الأول كالتيمم‏.‏

الثاني‏:‏ قال في الكتاب‏:‏ من بجبهته جراحات لا يستطيع بها الأرض إلا بأنفه فإنه يومئ، قال صاحب الطراز على قول ابن حبيب‏:‏ إن السجود لا يجزئ على الجبهة دون الأنف، وقول ح إن الأنف يجزئ عن الجبهة لا يجزيه الإيماء، وقال ش‏:‏ يسجد على صدغيه‏.‏ لنا أن السجود إنما يكون بالجبهة لقوله - عليه السلام - في الصحيحين‏:‏ أمرت أن أسجد على سبعة أعظم الجبهة واليدين والركبتين والرجلين‏.‏ وفي رواية أشار لأنفه، وقد جعل الشرع الإيماء بدل السجود والعدول عن البدل الشرعي لا يصح كما لو سجد على هامته فلو سجد على أنفه، قال أشهب‏:‏ يصح؛ لأنه أبلغ من الإيماء‏.‏

الثالث‏:‏ قال صاحب الطراز‏:‏ لو رفع من الركوع فسقط على جبينه وانقلب على أنفه أجزأه عند ح خلافا ش، ويتخرج في المذهب على قولين قياسا على من قرأ السجدة فأهوى إليها فركع ساهيا، ففي النوادر‏:‏ روى جميع الأصحاب الإجزاء إلا ابن القاسم روى الإلغاء‏.‏

الرابع‏:‏ قال في الكتاب‏:‏ إذا نهض من بعد السجدتين من الركعة الأولى فينهض ولا يجلس على صدور قدميه‏.‏ قال صاحب الطراز‏:‏ هذا له صورتان إحداهما‏:‏ أنه يثبت ولا يعتمد على يديه وهو مذهب ش ح، ومكروه عند مالك؛ لما روى عنه - عليه السلام - أنه نهض معتمدا على الأرض وهو أقرب للوقار فإذا نزل للسجود هل ينزل على يديه أو ركبتيه‏؟‏ قال القاضي عبد الوهاب‏:‏ ذلك واسع واليدان أحسن، خلافا ش ح؛ لما في أبي داود أنه - عليه السلام - قال‏:‏ إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه والصورة الثانية أن يستقر على صدور قدميه قبل النهوض فكرهه مالك ح، خلافا ش وقد روى الأمران في الحديث، وما ذكرناه أرجح قياسا على سائر الانتقالات، ورواية الاستراحة محمولة على العذر فان فعل ذلك أحد فلا يعيد ولا يسجد؛ فإن السجود إنما يكون فيما يبطل الصلاة عمده، وزعم اللخمي أنه اختلف في السجود له فإذا قام من الجلسة الأولى قام معتمدا على يديه اتفاقا، وكره ‏(‏ش‏)‏ تقديم إحدى الرجلين، وروي عن مالك لا بأس به، ويروى عن ابن عباس أنها الخطوة الملعونة‏.‏

الخامس‏:‏ قال في الكتاب‏:‏ أحب إلي أن يرفع كور العمامة حتى يمس الأرض ببعض جبهته، قال ابن القاسم‏:‏ أكرهه فإن فعل فلا إعادة وهو قول ح وابن حنبل، وقال ش‏:‏ لا يجزيه، وقال ابن حبيب‏:‏ إن كان كثيفا أعاد في الوقت، وإن كان طاقتين لم يعد فائدة كور العمامة بفتح الكاف هو مجتمع طاقتها على الجبين‏.‏

السادس‏:‏ كره في الكتاب حمل التراب أو الحصباء من الظل إلى الشمس يسجد عليه، قال ابن القاسم في العتبية‏:‏ ويسجد على فضل ثوبه كما فعل ابن عمر - رضي الله عنهما - قال صاحب النكت‏:‏ إنما كره ذلك في المساجد؛ لأنه يؤدي إلى حفرها فيتأذى الماشون فيها‏.‏

السابع‏:‏ كره في الكتاب السجود على الطنافس، والشعر، والثياب، والأدم بخلاف الحصر وما تنبته الأرض خلافا‏(‏ش‏)‏ لما في ذلك من التواضع، أو اتباع السنة كان - عليه السلام - وأصحابه يسجدون على التراب والطين، وفي الصحيح قال - عليه السلام - في ليلة القدر‏:‏ إني أراني في صبيحتها أسجد في ماء وطين فوكف سقف المسجد تلك الليلة بالمطر، فخرج - عليه السلام - وعلى وجهه الماء والطين من أثر السجود على الأرض‏.‏ وقد انفق على مسجده - عليه السلام - في الزمن القديم مال عظيم، ولم يفرش فيه بسط ولا غيرها، وكذلك الكعبة تكسى ولا تفرش ولولا ما ذكرنا؛ لتقرب الناس بالفرش كما تقربوا بغيره، فأما ما تنبت الأرض؛ فلأنه - عليه السلام - صلى على الخمرة المعمولة من الجريد وعلى الحصير الذي قد اسود من طول ما لبس، وليست العلة كونه نبات الأرض فإن ثياب القطن والكتان نبات الأرض فلم تكره الصلاة عليهما، بل العلة مركبة من نبات الأرض وفعل السنة مما فيه تواضع، قال صاحب الطراز‏:‏ فإن فرش خمرة فوق البساط لم يكره وسئل عن المروحة فقال‏:‏ هي صغيرة إلا أن يضطر إليها ولا يلزم أن يضع رجليه وركبتيه على ما عليه وجهه بخلاف اليدين‏.‏

فائدة‏:‏

من التنبيهات‏:‏ الطنفسة - بكسر الطاء وفتح الفاء - وهي أفصحهما وبضمهما معا وكسرهما معا وحكي فتح الطاء وكسر الفاء وهي بساط صغير كالخرقة، وكل بساط طنفسة، والأدم بفتح الهمزة والدال‏:‏ الجلود المدبوغة جمع أديم‏.‏

الركن السابع‏:‏ الفصل بين السجدتين، والأصل في وجوبه فعله - عليه السلام - واجماع الأمة، وفي الجواهر يجري في الاعتدال من الخلاف فيه ما يجري في الاعتدال من الركوع‏.‏ قال المازري‏:‏ والاتفاق على وجوب فعله بخلاف القيام من الركوع والاعتدال فيهما، والفرق أن الركوع متميز عن السجود، فلا حاجة إلى القيام على رأي من يراه بخلاف الفصل بين السجدتين لو ذهب صار السجدتان واحدة، وأما الجلوس بينهما فواجب عند ش وشرط، وعند ح ليس بشرط، قال صاحب الطراز‏:‏ قال القاضي عبد الوهاب‏:‏ وهو عندنا يتخرج على الرفع من الركوع‏.‏

الركن الثامن‏:‏ الجلوس الأخير، وفي الجواهر الواجب منه بقدر ما يعتدل فيه ويسلم؛ لأن السلام واجب والواجب لابد له من محل ولا محل له إلا الجلوس اجماعا، وما لا يتم الواجب المطلق إلا به وكان مقدورا للمكلف فهو واجب‏.‏

الركن التاسع‏:‏ السلام وهو موضوع في اللغة لستة معان‏:‏ السلامة، والاستسلام، واسم للتسليم، واسم لله تعالى، واسم شجر الواحدة منه سلامة، وللبراءة من العيوب، وفيه لغتان‏:‏ السلام على وزن الكلام بفتح السين وبكسرها، وسكون اللام مثل عدل نحو قوله‏:‏

وفقنا فقلنا إيه سلم فسلمت فما كان إلا ومؤها بالحواجب فعلى الأول يكون دعاء للمصلين بكفاية الشرور، وعلى الثاني أمان من المسلم للمسلم عليه في الصلاة، وفي غيرها، وعلى الثالث يحتمل المعنيين، والرابع معناه‏:‏ الله عليكم حفيظ أو راض أو مقبل، والخامس غير مراد في الصلوات ولا في التحيات، والسادس دعاء بالسلامة من عيوب الذنوب، وكلها يصلح أن يريدها المصلي والمسلم إلا الخامس، فإن جوزنا استعمال اللفظ المشترك في جميع مفهوماته وهو مذهبنا، ومذهب الشافعي كما تقدم في المقدمة جوزنا للمصلي أن يريد جميعها وهو أكمل في جدواها، وإن قلنا بالمنع فينبغي للمصلي أن يريد أتمها معنى، والاصل في وجوبها ما في أبي داود من قوله عليه السلام‏:‏ مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم‏.‏ والمبتدأ يجب انحصاره في الخبر كما تقدم في المقدمة فيكون تحليلها منحصرا في التسليم، فلو اعتمد غيره لكان باقيا في الصلاة مدخلا فيها ما ليس منها وهو حرام، وترك الحرام واجب فيجب التسليم‏.‏

وفي الركن فروع ستة‏:‏

الأول‏:‏ قال في الكتاب‏:‏ لا يجزئ إلا السلام عليكم يسلمها الإمام والمنفرد‏:‏ الرجال والنساء مرة تلقاء الوجه ويتيامن قليلا‏.‏ قال صاحب الطراز‏:‏ وفي الواضحة يسلم المنفرد اثنتين عن يمينه وعلى يساره، وكان يفعل ذلك في خاصة نفسه، وخرج الباجي عليه الإمام، ولا يقل للنساء‏:‏ السلام عليكن؛ لوضع هذا اللفظ وضعا عاما، ويقع التحليل به معرفا بغير خلاف، وجوز ش المنكر وتردد في عليكم السلام، وقال ح‏:‏ لفظه السلام عليكم ورحمة الله مرتين عن اليمين واليسار منفردا كان أو غيره، وفي الجواهر جواز التنكير عن أبي القاسم بن شبلون، وجوز أبو حنيفة سائر الكلام حتى لو أحدث قاصدا للخروج أجزأه، وحكى المازري عن ابن القاسم إن أحدث آخر صلاته في التشهد صلاته صحيحة، قال الباجي‏:‏ وهذا يعرف من مذهب الحنفية، قال المازري‏:‏ وليس كذلك؛ لأنهم لا يجوزون الخروج بالحدث من غير قصد، وابن القاسم لم يشترط القصد‏.‏ لنا ما تقدم من الحديث وأنه تعبد فيقتصر به على تسليمه - عليه السلام - والسلف من بعده، وإلا لجاز سلام الله عليكم وغيره من ألفاظ التحية، وهو لا يجوز عند ش، وفي الترمذي أنه - عليه السلام - كان يسلم من الصلاة تسليمة واحدة تلقاء وجهه، قال مالك‏:‏ وما أدركنا الأئمة إلا على تسليمة، وروى سعد بن أبي وقاص، قال‏:‏ كنت أراه - عليه السلام - يسلم عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خده‏.‏ والأول أرجح للعمل منه - عليه السلام - والخلفاء الأربعة بعده وأهل المدينة بعدهم، والقياس على تكبيرة الإحرام تسوية بين الدخول والخروج، ولأنه لو أحدث بعد الأولى لم تفسد الصلاة اجماعا إلا عند ابن حنبل والحسن بن حي وهما مسبوقان بالاجماع، وإذا كان الإمام يسلم اثنتين فقال في العتبية‏:‏ لا يقوم المسبوق للقضاء حتى يسلمها فإن قام أساء ولم تفسد، ولما كان السلام سبب الخروج من الصلاة وهو من الصلاة شرع أوله للقبلة؛ لأنه منها، وآخره لغيرها إشارة للانصراف قال صاحب النوادر‏:‏ التيامن ليس شرطا فلو تياسر، ثم تيامن لم تبطل؛ لقوله عليه السلام‏:‏ وتحليلها التسليم من غير شرط‏.‏ وقال ابن شعبان‏:‏ تبطل؛ لأنه غير السلام المعهود منه - عليه السلام - احتج الحنفية بما يروى عنه - عليه السلام - أنه قال‏:‏ إذا رفع الإمام رأسه من السجدة الأخيرة وقعد، ثم أحدث قبل أن يسلم فقد تمت صلاته، ولأنه لا يجب متابعة الإمام فيه بدليل قيام المسبوق ولم يسلم، ولأن الأكل لما نافى الصوم خرج منه بالليل، وإن لم يقع الأكل، والجواب عن الأول أنه غير صحيح، وعن الثاني أن عدم المتابعة كان لقيام المعارض وهو بقاء ما يجب تقديمه قبل السلام، وعن الثالث أن التسليم آخر جزء من الصلاة فهو كآخر جزء من الصوم وليس كالليل ولأنا نمنع مضادة السلام للصلاة؛ لأن الجزء لا ينافي الكل ومما يوضح مذهبنا‏:‏ أن الصلاة صلة بين العبد وربه ومواطن الإجلال والتعظيم والأدب والموانسة في حضرة الربوبية حتى أمر العبد فيها بالانقطاع عن سائر الجهات والحركات إلا جهة واحدة وهيئة واحدة بجمع شمله على أدب المناجاة، وإذا كانت على هذه الصفات لا يليق ختمها بالحدث الذي هو أفحش القاذورات‏.‏

الثاني في الجواهر‏:‏ اختلف المتأخرون في انسحاب حكم النية على السلام أو اشتراط تجديد نية الخروج على قولين، قال صاحب الإشراف‏:‏ إذا سلم بغير نية التحليل لا يجزيه خلافا لبعض الشفعوية، ووافقه صاحب الطراز، واستدل بأن تكبيرة الإحرام تفتقر إلى نية التحريم؛ لتميزها عن غيرها، وكذلك يشترط في التسليم نية التحليل؛ لتميزه عن جنسه، وقد تقدم في الطهارة أن النية؛ لتمييز العبادات عن العادات أو لتمييز مراتب العبادات في أنفسها‏.‏

الثالث‏:‏ قال في الكتاب‏:‏ يسلم المأموم عن يمينه، ثم على الإمام لما في أبي داود أمرنا - عليه السلام - ثم ذكر التشهد، وقال‏:‏ ثم سلموا على اليمين، ثم سلموا على قارئكم وعلى أنفسكم‏.‏ وفي الجواهر في رد المأموم ثلاث روايات‏:‏ ففي الكتاب كان يقول يبدأ بمن على يساره، ثم الإمام، ثم رجع يقول يبدأ بالإمام، ثم يساره، وروى القاضي عبد الوهاب التخيير وجه البداية باليسار أن جواب التحية على الفور وقد حال بين سلام الإمام والمأموم سلام التحلل بخلاف من على اليسار، ولأن ابن المسيب كان يفعل ذلك، وجه المشهور أن الإمام هو السابق بالتحية فيبدأ به، ولأنه فعل ابن عمر - رضي الله عنهما - وجه التخيير تقابل الأدلة، وفي الجواهر يرد على الإمام فقط، قال صاحب الطراز‏:‏ هل يرد على الإمام ومن على يساره بتسليمة واحدة‏؟‏ وقيل يرد قياسا على جملة المأمومين؛ فإنه لا يحتاج إلى كل واحد تسليمة، وقيل‏:‏ لا يجمع تشريفا للإمام، ولأن تسليم الإمام في زمان آخر فكان الرد عليه بلفظ آخر، وهل يشترط في الرد على اليسار التأخير حتى يسلم من على يسار‏؟‏ وليس فيه نص، والظاهر أنه ليس بشرط؛ لأنه وإن تأخر فهو في حكم الواقع، قال‏:‏ وإذا لم يكن على يساره أحد فالمشهور لا يسلم، وعلى قوله إن المنفرد يسلم اثنتين يسلم فإذا فرعنا على المشهور فكان من على يساره مسبوقا فيحتمل أن يقال‏:‏ لا يرده؛ لأن سلامه متأخر جدا، ويحتمل أن يقال‏:‏ هو في حكم الواقع، ولأن رد المأموم سنة مقدرة على من على يساره بدليل أنه يرد على من لم يقصد السلام عليه، قال‏:‏ وظاهر كلام الكتاب أنه يتيامن في جملة تسليمه بخلاف الإمام؛ لأن سلام المأموم مختص بمن على يمينه، ولهذا لا يرد عليه إلا من على يمينه، وسلام الإمام ليس مختصا بجهة ولهذا يرد عليه جملة المأمومين يمينا وشمالا وخلفا وأماما، وقال ش‏:‏ ينوي الفذ بالسلام الخروج والتسليم على الحفظة، وينوي بالتسليم الثاني الخروج فقط، وينوي الإمام الخروج والتسليم على الحفظة والمأمومين، وينوي بالثاني الحفظة والخروج، وينوي المأموم بالأول التحليل والحفظة ومن على يمينه من المأمومين والإمام إن كان على يمينه، وبالثاني الخروج والحفظة والإمام إن كان على يساره فإن كان أمامه فهو مخير، قال صاحب الطراز‏:‏ وعندنا لا يرد على الإمام بتسليمة التحليل؛ لأنه يصير بمنزلة المتكلم في الصلاة وإذا رد على الإمام فهل يشترط حضوره فلا يرد المسبوق‏؟‏ الذي رجع إليه مالك وأخذ به ابن القاسم الرد، نظرا إلى أنه من سنة الصلاة والقول الأول مبني على أنه شرع على الفور وقد تراخى، وهذا فيمن أدرك ركعة فأكثر فإن لم يدرك إلا التشهد، قال سحنون‏:‏ لا يرد؛ لأنه ليس إماما له في صلاته، ولهذا لا يسجد معه في سهوه‏.‏ فلو سلم على الإمام قبل تسليم التحلل، سجد بعد السلام، وجوز في الكتاب الرد بالسلام عليكم، وبعليكم السلام ورجح الأول، وجوز أشهب في العتبية سلام عليكم؛ لأنه ليس من نفس الصلاة وإنما هو رد تحية، ولما كان متعلقا بالصلاة من حيث الجملة ترجح أن يكون من جنس سلام الصلاة، واستحب في الكتاب أن لا يجهر بتسليمة اليسار مثل تسليمة اليمين؛ لأنها لا يطلب لها جواب فكانت كأذكار الصلاة، والأولى كتكبيرة الإمام يطلب لها الجواب فيجهر بها‏.‏

الرابع‏:‏ قال في الكتاب‏:‏ يجهر الإمام ومن خلفه بالسجود بالسلام من السجود للسهو بعد السلام، قال صاحب المعونة‏:‏ فيه روايتان‏:‏ التسوية بينه وبين الأول، والإخفاء كصلاة الجنازة؛ لاشتراكهما في عدم الركوع‏.‏

الخامس‏:‏ قال في الواضحة‏:‏ لا يمد سلامة وليحذفه، وفي أبي داود أنه - عليه السلام - كان يفعل ذلك، ولأن الإمام إذا طول سلامه سلم المأموم قبل سلامه إلا أنه لا يبالغ في الحذف لئلا يسقط الألف‏.‏

السادس‏:‏ قال في الكتاب‏:‏ إذا سلم إمام مسجد القبائل فلا يقعد في مصلاه، بخلاف إمام السفر ونحوه لما روى سحنون في الكتاب أنها السنة، وأن ابن مسعود قال‏:‏ الجلوس على الحجارة المحماة خير من ذلك‏.‏ وفي البخاري‏:‏ كان - عليه السلام - إذا سلم مكث قليلا فكانوا يرون ذلك كما ينفر النساء قبل الرجال‏.‏ واختلف في تعليله فقيل‏:‏ لئلا يغتربه الداخل فيحرم معه، وقيل‏:‏ لئلا يشك هل سلم أم لا أو يشك من خلفه‏.‏

الركن العاشر‏:‏ الطمأنينة قال في الكتاب‏:‏ إذا أمكن يديه من ركبتيه في ركوعه وجبهته من الأرض في سجوده وتمكن مطمئنا، فقد تمكن ركوعه وسجوده، وهي عند مالك واجبة خلافا ح فإنه لا يشترط إلا أصل الأركان حتى لو سجد على شيء فزهقت جبهته إلى الأرض كانت سجدتين، محتجا بأن الله تعالى أمر بالأركان، ولم يأمر بالطمأنينة، والزيادة عنده على النص نسخ ونسخ القرآن بخير الواحد لا يجوز، وفي الجواهر أنها فضيلة‏.‏ لنا ما في الصحيحين أن رجلا دخل المسجد فصلى، ثم جاء فسلم على النبي - عليه السلام - فرد عليه السلام فقال‏:‏ ارجع فصل؛ فإنك لم تصل فصلى، ثم جاء فعل ذلك ثلاثا فقال‏:‏ والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره فعلمني فقال‏:‏ إذا قمت إلى الصلاة، وساق الحديث إلى أن قال‏:‏ ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تعتدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا الحديث‏.‏ والأمر للوجوب وفعله - عليه السلام - كان على ذلك‏.‏

وفي الحديث سؤال للحنفية وهو أنهم قالوا‏:‏ إن هذا الحديث حجة لنا؛ لأن إيقاع الصلاة بدون شرائطها حرام إجماعا، فلو كانت الطمأنينة واجبة لكان المصلي حينئذ مرتكبا لمنكر، والنهي عن المنكر واجب على الفور، ولما لم يفعل ذلك - عليه السلام - دل على عدم وجوب الطمأنينة، قال المازري‏:‏ والطمأنينة الواجبة أدنى لبث فإن زاد عليها ففي اتصاف الزائد بالوجوب قولان نظرا إلى جواز الترك والقياس على فروض الكفاية إذا لحق بهم من لم يجب عليه الفعل، فإن فعله يقع واجبا‏.‏